الجمعة، 13 فبراير 2009

اصنع من الليمونة الحامضة شرابا حلوا


يا سادة يا كرام


عليكم السلام


الصبر - كما عرّفه علماؤنا- : حبس النفس على ما تكره .


و هذا التفسير حسن إذا عنيننا به مواجهة الشدائد البغيضة بثبات لا نكوص معه و عقل لا يفقد توازنه و اعتداله .


غير أن حبس النفس على ما نكره إذا عنينا به دوام الشعور بمرارة الواقع ، و طول الإحساس بما فيه من سوء و أذى ، قد ينتهي بالإنسان إلى حال منكرة من الكآبة و التبلد .


و ربما انهزم الصبر أما المقارنات التي تعقدها النفس بين ما نابها و ما كانت تحب و تشتهي ، و هذه نهاية الإحساس المحض بالألم و الخبط في ظلماته دون التماس نور يهدي في دياجيه ، أو عزاء ينقذ من مآسيه!!


و الإسلام يعمل على تحويل الصبر إلى رضا في المجال الذي يصح فيه هذا التحول ، و لن يتم تذوق النفس لبرد الرضا بإصدار أمر جاف ، أو فرض تكليف أجوف ، كلا ، فالأمر يحتاج إلى تطلف مع النفس ، و استدراج لمشاعرها النافرة ، و إلا فلا قيمة لأن تقول : أنا راض و نفسك طافحة بالضيق و التقزز !!


و أول ما يطلبه الإسلام منك أن تتهم مشاعرك حيال ما ينزل بك .


فمن يدري ؟!


رب ضارة نافعة .. صحّت الأجسام بالعلل .. رب محنة في طيها منحة ..


و من يدري ؟!


ربما كانت هذه المتاعب التي تعانيها باباً إلى خير مجهول ، و لئن أحسنّا التصرف فيها لنحن حريّون بالنفاذ منها إلى مستقبل أطيب .


(( و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم ، و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم ، و الله يعلم و أنتم لا تعلمون ))


إن أكثرنا يتبرم بالظروف التي تحيط به ، و قد يضاعف ما فيها من نقص و حرمان و نكد ، مع أن المتاعب و الآلام هي التربة التي تنبت فيها بذور الرجولة .


إن هؤلاء المصابين لم يجسموا مصائبهم ثم يطوفوا حولها معولين منتحبين ، و لم يدعوا ألسنتهم تلعق ما في واقعهم المر من غضاضة ، كلا .


لقد قبلوا الواقع المفروض ، ثم تركوا العنان لمواهبهم تحوّل محنته إلى منحة ، و تحوّل ما فيه من كدر و طين إلى ورد و رياحيين .


و نقل ايمرسون في كتابه " القدرة على الإنجاز " : (( من أين أتتنا الفكرة القاتلة إن الحياة الرغدة المستقرة الهادئة الخالية من الصعاب و العقبات تخلق سعداء الرجال أو عظمائهم ؟ إن الأمر على العكس ، فالذين اعتادوا الرثاء لأنفسهم سيواصلون الرثاء لأنفسهم و لو ناموا على الحرير و تقلبوا في الدمقس . و التاريخ يشهد بأن العظمة و السعادة أسلمتا قيادتهما لرجال من مختلفي البيئات ، بيئات فيها الطيب و فيها الخبيث ، و فيها التي لا تميز بين طيب و خبيث . و في هذه البيئات نبت رجال حملوا المسؤوليات على أكتافهم ، و لم يطرحوها وراء ظهورهم ) )


و أختم بما رواه ديل كارينيجي عن سيدة نُقلت مع زوجها الضابط إلى صحراء موحشة ، فضاقت ذرعا بمعيشتها ، و همّت بترك رجلها وحده و العودة لأهلها ، قالت هذه السيدة : ( و لكن خطابا ورد إلي من أبي تضمن سطرين ، سطرين اثنين سأذكرهما ما حييت لأنهما غيرا مجرا حياتي و هذان هما : من خلف قضبان السجن تطلّع إلى الأفق اثنان من المسجونين ، فاتجه أحدهما ببصره إلى وحل الطريق ، أما الآخر فتطلع للنجوم في السماء ) .


قالت السيدة : ( و قد تَلوت هذه الكلمات و أعدت تلاوتها مرارا فخجلت من نفسي ، و عوّلت أن أتطلع إلى نجوم السماء )


من كتاب جدد حياتك للإمام الغزالي


------


ما زال جرح غزة ينزف


لا يمكننا بهذه السهولة نسيان أو تناسي ما حدث في غزة الشهر الماضي


و إكمالا لمسيرة تضامنا مع غزة ..


أدعوكم يا كرام لمشاهدة فيديو محاضرة د.عبد الله النفيسي في محاضرته عن الأحداث في غزة


الموجودة حاليا على اليوتيوب



و دمتم

هناك 9 تعليقات:

مستعدة يقول...

بارك الله فيكِ..

ولا ننسى الوعد الإلاهي بتكرار الآية "إن مع العسر يسرى " مرتين ..
جوزيتِ خيرا على الموضوع..

اللهم إرزقنا الرضا ما حيينا..

منطلقة بطموحي يقول...

بارك الله فيكِ اختي :)
اعجبتني المقالة ..
و اسأل الله أن يرزقنا الصبر دائما :) ..

soor يقول...

مقال مميز ..
شكرا أختي السنبلة على هذه الكلمات ..
رزقنا الله وإياكم الصبر وقت الشدائد والمحن ..

يقول...

أشوفج تغلبتي على المرض SRS

الحمد لله على السلامة

اختيار موفق .. بارك الله فيك

بوسند يقول...

فكرٌ نيّر .. وطرحٌ راقٍ ..

إلى الأمام

الـسـنـبـلـة يقول...

شكرا جزيلا على المرور و التعليق

تقبلوا أرق التحايا (F)

العدالة الكويتية يقول...

المؤلف الإنجليزي
جيفري آرتشر

حول الليمونة لشرابٍ حلو
عبر تحويله محنة سجنه

إلى مجموعة قصصية جميلة
ترجمتها جرير مؤخرًا
تحت اسم "قط وتسعة كلاب"

ما أحوجنا لهذه النفسية المتحدية
التي تعتبر كل سد اختبار للقدرات
واستفزاز للمواهب المدفونة بداخلنا

غير معرف يقول...

بارك لله فيج

رائعه الفكره

ومانقدر نقول الا لله المستعان

الـسـنـبـلـة يقول...

العدالة الكويتية

يشرفني مرورك الأول

و أشكر لك الفائدة .. سأحرص على اقتناء الكتاب

شكرا جزيلا
----

حجر كريم

حياج الله

تقبلوا أرق التحايا (F)